السؤال.. بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أشكركم من أعماق قلبي على جهودكم الجبارة لخدمتكم المسلمين والمسلمات، فجزاكم الله كل خير.
أنا شاب متزوج وملتزم ومحب ومخلص لشرائع الإسلام، ولحكم الله عز وجل.
ولكن قلة الصحبة الصالحة والانعزال تأتيني أيام فتور كثيرة أكون بها مطلق لحيتي، وبعدها أقصرها وهكذا.
على حسب الإيمان، ولكن للأسف لعائلتي من أبي وأمي عامل كبير في تثبيط الهمم، وأن الدين ليس باللحية.
عندي مشكلة مع والدي ووالدتي، وهي أنهم لا يفهمون حدود الاختلاط بين الرجال والنٍساء.
فأنا عندما تجتمع العائلة ولا يكون هناك مجلس للنساء وللرجال أذهب إلى بيتي أنا وزوجتي.
وهذا مع الاستمرار خلق بيني وبين والديّ شيئا من الحٍساسية والمشاحنة، أنا أقول الاختلاط حرام، وهم يقولون أنه عادي جدا.
علما للأسف أن الأهل من المٍسلمين العاميين بالإسلام، والبسطاء، وأنا بعكسهم على الكتاب والسنة واتباع منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبته رضي الله عنهم.
وهذا يخلق فارقا فهميا بيني وبين أهلي.
أريد أن أسألكم الله يجزيكم الخير:
1- ما هي حدود ولوازم الاختلاط بين النساء والرجال في حكم الشرع وأنا أقبل به؟
2- ما هي حدود طاعتي للأهل؟
3- في مجتمعنا في سوريا الاختلاط عند الأكثرية عادي جدا، وعندما تقول لهم فرقوا بين النساء والرجال يبدأ ضرب المثل بالأسواق والعمرة والحج والمطاعم.
أفتوني جزام الله عني كل خير، وحرم عني وعنكم وعن أمة محمد صلى الله عليه وسلم النار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم.. الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
ونسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يزيدك قوة وثباتا وتمسكا بالدين.
وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يفتح لك قلوب عباده، حتى يتعاملوا معك بما يرضي الله تعالى.
ويقبلوا كلامك الذي هو موافق لمنهج الله تعالى، وأن يجعلك سببا في هداية أسرتك صراط الله المستقيم.
أخي الكريم الفاضل:
إن مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن هم يا رسول الله: قال الذين يصلحون ما أفسد الناس أو يصلحون حين فساد الناس).
فهذه الغربة الآن أصبحت هاجسا كبيرا، وتحديا عظيما للمسلمين الملتزمين بشرع الله تعالى، خاصة في البلاد التي لا يوجد بها تمسك صحيح وقوي بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فمعظم البلاد الإسلامية كما لا يخفى عليك تعرضت لهزة إيمانية عنيفة وقوية، وأصبح الخروج من الالتزام الشرعي على الأقل ـ ولو بالظاهر ـ ظاهرة عامة بين المسلمين في بقاع الأرض.
ولكن من فضل الله تعالى ورحمته أحيا الله هذه الأمة، بأن أعاد إليها الصحوة الإسلامية التي ردت إلى الأمة شيئا من اعتبارها.
فملئت المساجد بالمصلين، وتعلم الناس التوحيد والسنة، والتزمت معظم المسلمات في كثير من بلاد العالم العربي والإسلامي بالحجاب الشرعي.
وأطلق معظم الشباب لحاهم، وبدأ كثير من الناس يقيم حياته المنزلية على السنة، يراعي فعلا ضوابط الشرع في تعامل الرجال مع النساء.
وبدت هناك مؤسسات خاصة للرجال ومؤسسات خاصة بالنساء، بمعنى أن هناك إنجازات كبيرة أخي الكريم عبد الرحمن، ولله الحمد والمنة، فهناك عودة طيبة للإسلام.
والدليل على ذلك أنت عندما تنظر إلى مكة بلد الله الحرام، وأنت ترى أن معظم الذين يطوفون من الشباب.
وهذه الأرقام الهائلة التي تذهل العالم إلى الآن، عدد المعتمرين كما وصل في العام الماضي والذي قبله وصل إلى 4 ملايين هذا أمر لم يحدث في تاريخ مكة من قبل مطلقا.
فهذا يدل على أن الله تبارك وتعالى بدأ يحي موات هذه الأمة.
ولكن هذا لا يمنع أن هناك جيوب تخلف موجودة في جسد الأمة، خاصة القدماء الذين نشؤوا بعيدا عن الضوابط الشرعية.
ولا يرون من الإسلام إلا مجرد الصلاة وفقط، أنه ما دام يصلي ويمسك بيده مسبحة، وأحيانا يذكر الله تعالى، وأحيانا يحج أو يعتمر، ويصوم رمضان ويزكي.
هذا الفهم القاصر أدى إلى بتر حقيقة الإسلام، وإلى إبعاده عن حياة الناس خاصة بعض البلاد العربية التي تعرضت لبعض الأفكار الجديدة كأفكار الشيوعية وغيرها.
ولا يخفى عليك ما أقصده، هذه بدأت تخرج الإسلام من قلوب الناس، وتخرج لهم مزيجا جديدا وعطاء جديدا، وأنت تعلم ماذا قاله دعاة القومية وغيرها، ولا يخفى عليك ذلك.
فأنا أقول لك هذا الأمر مع وجود الخير الكبير، والدليل على وجود الخير الكبير، وجودك أنت في هذه البيئة، في بيئة غفلة.
ورغم ذلك أوجدك الله تعالى فيها وأوجد زوجتك المباركة -حفظها الله تعالى- في هذه البيئة، فهذا هو إحياء الأمة.
ولكن هذا الإحياء يحتاج منا إلى صبر، ويحتاج منا أيضا إلى سعة صدر، لأن التغيير ليس أمرا سهلا.
فمن السهل جدا أن تغير أثاث المنزل، ومن السهل جدا أن تغير لون البيت من الداخل أو من الخارج من السهل أن تغير ملابسك.
أما من الصعب جدا أن تغير معتقدات الناس وأفكار الناس، خاصة كبار السن.
ومن هنا، فإني أوصيك أولا: بالصبر الجميل وسعة الصدر، والحلم والأناة وعدم العجلة.
ثانيا: في ما يتعلق بضوابط الاختلاط من الممكن بارك الله فيك إذا كانت المجالس فيها رجال ونساء، وكانوا من أرحامك.
بمعنى مثلا أخواتك أو إخوانك، فلا مانع من أن تجلس امرأتك معهم شريطة أن يكون زيها واسعا، وملابسها واسعة.
وأن تكون ملتزمة بالحجاب الشرعي التزاما كاملا، وعندما يتكلم أحد من الرجال لا تعلق عليه.
وإنما تركز كلامها على النساء، إذا كان ذلك سيؤدي إلى إصلاح الحال ما بينك وبين والديك.
مسألة أن والديك لا يعينانك على طاعة الله تعالى هذه ليست عندك -أخي الفاضل محمود عبد الرحمن- وإنما هي موجودة عند السواد الأعظم من الإخوة الملتزمين.
بل إن بعض الأبناء الشباب الذين التزموا قام أهلهم بطردهم من البيت في فترة من الزمن، لأنهم وجدوا أن اللحية هذه شيء شاذ.
وأنه شيء منكر، وأنه لا يطلق اللحية إلا القساوسة الكبار، لأنهم رأوا علماء الإسلام وهم لا لحى لهم ولا التزام ولا غير ذلك.
فأنا أقول لك هذه المرحلة ستنتهي وأوصيك بالصبر.
واعلم أن النبي صلى الله وسلم أنزل الله عليه قوله: (إن إبراهيم كان أمة) سماه الله أمة ـ وحده ـ لأنه كان حريصا على الحق، فأنا أريدك أن تتمسك بما أنت عليه، ولا تضعف.
وأن تسأل الله أن يثبتك، وأن تبحث عن الصحبة الصالحة إذا كانت لديك فرصة أن تجد صحبة صالحة أن تربط نفسك بهم.
لأن الإنسان إذا نشأ في بيئة صالحة وجد منها عونا على طاعة الله تعالى، فإذا لم تجد فلا تتراجع لأن هذا حق.
ولا ينبغي عليك أبدا أن تعتبر كلام الوالد والوالدة عائقا يمنعك من الالتزام بشرع الله تعالى.
فيما يتعلق بالاختلاط كما ذكرت لك، المصافحة ممنوعة قطعا، فلذلك امرأتك لا تصافح من الرجال إلا المحارم.
وإذا جاء أحد من الرجال يصافحها يمكن أن تقول: أنا لا أصافح الرجال، حتى يعلم أن هذا هو الحق.
وتقول مثلا إذا كانت متوضئة أنا متوضئة، وهم يعرفون أن مس المرأة ينقض الوضوء على مذهب الشافعية، ومعظم الناس كذلك.
فيما يتعلق بحدود طاعتك لوالديك النبي صلى الله عليه وسلم حددها بقوله: إنما الطاعة في المعروف.
وقال أيضا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا مانع أن تجلس مع الأسرة شريطة أن تغض بصرك.
وأن تغض امرأتك بصرها، إذا كان هذا التواصل سيؤدي إلى إصلاح العلاقة بينك وبينهم.
أما إذا كان الأمر لن يؤدي إلى ذلك، وأنت لا تطمع في شيء، وهم لن يتراجعوا عما عليهم، فأرى أن تكف عنهم، وأن يعلموا أنك تركتهم من أجل الله تعالى، ومن أجل الدين.
هم يقولون لك أيضا بأن الاختلاط موجود في كل مكان، هذا الكلام ليس حجة، الاختلاط موجود في الأماكن العامة، في الشوارع والطرقات منذ خلق آدم عليه السلام.
فعليك بالأخذ بما قلناه لك، والصبر على الطاعة، وسيأتيك الفرج بإذن الله تعالى والتوفيق من رب العالمين.
أسأل الله أن يثبتك على الطاعة.
الكاتب: الشيخ / موافي عزب
المصدر: موقع إسلام ويب